إذا قرأ المسلم القرآن وأتقن القراءة، وحفظه وأتقن الحفظ، فأحرى به أن يكون له وقفات عقلية مع آياته وقصصه وقيمه وموازينه وتصوراته وأفكاره وأسسه ومبادئه وأهدافه ومقاصده؛ لأن التدبر نوع من الاهتمام بالقرآن الكريم.
وقد قال الله تعالى: "أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً" [النساء : 82]. وقال أيضا: "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" [محمد : 24].
يقول الأستاذ سيد قطب: "ويتساءل في استنكار: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ).. وتدبر القرآن يزيل الغشاوة، ويفتح النوافذ، ويسكب النور، ويحرك المشاعر، ويستجيش القلوب، ويخلص الضمير. وينشئ حياة للروح تنبض بها وتشرق وتستنير، ( أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)، فهي تحول بينها وبين القرآن، وبينها وبين النور، فإن استغلاق قلوبهم كاستغلاق الأقفال التي لا تسمح بالهواء والنور".
وقد وضح الإمام ابن القيم قيمة الفهم وهو يشرح كتاب عمر في القضاء، فقال: وقوله "فافهم إذا أدلي إليك" صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أعطي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما، بل هما ساقا الإسلام وقيامه عليهما، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم، ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة.
وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد، يميز به بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، ويمده حسن القصد، وتحري الحق، وتقوى الرب في السر والعلانية، ويقطع مادته اتباع الهوى، وإيثار الدنيا، وطلب محمدة الخلق، وترك التقوى".